كيف يتوازن الجسم؟

كيف يتوازن الجسم؟

كيف يتوازن الجسم؟

الدوار واضطراب التوازن مرض كثير الحدوث، وبخاصة لدى كبار السن، وله تداعيات شديدة الخطورة، كالسقوط والارتطام بالأرض. وعليه يجب أخذ هذا الأمر على محمل الجد والمسارعة لعلاجه.

ومعروف أن أعضاء الجسم تضعف مع التقدم بالسن، أو يصاب جزء منها، فتحدث صعوبة في حفظ التوازن عند السير أو القيام ببعض الحركات، ويصبح الحفاظ على التوازن أمراً يتطلب جهداً، وربما بعكاز أو شخص يستند عليه، وتكثر حوادث السقوط.  ويساهم وهن العظام لدى الكبار في سهولة حدوث الكسور، وبخاصة كسر عنق عظم الفخذ، وهو من الأسباب الشائعة لوفاة كبار السن، وذلك رغم التطور الحاصل في جراحة العظام.

ولفهم الدوار واضطراب التوازن لا بد من فهم الآلية التي يحفظ بها الجسم توازنه.  ويتم ذلك بتأمين أمرين:

1- منع السقوط: وذلك بإبقاء مركز ثقل الجسم ضمن قاعدة ارتكازه على الأرض، وهو مبدأ فيزيائي معروف، فيميل الشخص إلى اليمين أو الشمال، أو إلى الأمام أو الخلف، وربما يوسع بين القدمين، ليؤمن ذلك الهدف. ولا بد أن يتم ذلك بسرعة كبيرة ، وبشكل مستمر، في مختلف الحركات اليومية.

2- المحافظة على خيال الأشياء المرئية على شبكية العين ثابتاً، بالرغم من تحرك هذه الأشياء، أو تحرك الرأس. وهو أمر ضروري للمحافظة على وضوح الأشياء المرئية، وإلا أصبحت كمن ينظر إلى صورة فيديو تتحرك خلال أخذها آلة التصوير، تختلط الرؤية وُيفقد التوازن.

كيف يتوازن الجسم؟

يتم ذلك بعملية تُشارك فيها أجهزة مختلفة في الجسم.

• هنالك أولاً مركزٌ للقيادة في أسفل الدماغ يتألف من بنيات عصبية مترابطة فيما بينها، تتلقى معلومات دقيقة عن أية حركة في الجسم من مصادر عدًه، ُتقارنها وُتقاطعها وتَخرج بنتيجةٍ تُرسل على أساسها أوامر تناسب تلك النتيجة.

• مراكز محيطية مهمتها إخبار المركز العصبي بكل تغيّر يطرأ على وضعية الجسم، وبكل حركة يتحركها، ليستطيع المركز معرفة الوضعية الجديدة بدقة، ويتصرف حسبها. ومراكز الاستخبارات المحيطية هذه هي بشكل رئيسي ثلاثة:

1. العينان: وهي بالرؤية المباشرة ترى الوضع الجديد وتُخبر به مركز القيادة.

2. ما يسمى بالإحساس العميق، وهو إحساسٌ موجود في أربطة المفاصل وأوتار العضلات، كونها مزودة بنهايات عصبية تشعر بتقلص أو ارتخاء العضلات، كما تشعر بتغير الشد الواقع على أربطة المفاصل. وعندما تتغير وضعية الجسم يتغير الشد الواقع على الأربطة والأوتار، فيزداد في جهة وينقص في الجهة المقابلة. تنقل النهايات العصبية الخاصة هناك هذا التغير بأعصاب خاصة، إلى مركز القيادة، بإشارة سبق التعارف عليها، فيفهم منها المركز الوضعيةَ الجديدة ويتصرف حسبها.

مفصل عنق القدم:

ربما كان أهم مفصل في هذه الوظيفة مفصل عنق القدم، حيث إن تغير وضعية هذا المفصل عند السير على أرض وعرة هي التي تخبر المركز عن ميلان الأرض التي يسير عليها الشخص، فيأمر المركز الجسم بالميل إلى الأمام أو الخلف ليمنع السقوط. وتثبيت عنق القدم (لحدوث كسر أو تمزق في رباط) يسبب صعوبة في حفظ التوازن أثناء السير على أرض غير مستوية.

3.  الأذن بقسمها الباطن: للأذن ثلاثة أقسام هي الخارجي والأوسط والباطن. في الأذن الباطنية قسمان: قسم يدعى الحلزون وهو القسم المختص بالسمع، وقسم يدعى الدهليز وهو مختص بحفظ التوازن.

وفي الدهليز نوعان من التراكيب التشريحية:

الأول، يتألف من ثلاث قنوات متعامدة على بعضها، وهي مملوءة بسائل خاص بها. في هذه القنوات نهايات عصبية تتنبه بتحرك هذا السائل. ولا يتحرك هذا السائل أثناء الحركات المختلفة إلا عندما يدور الرأس، وذلك بفعل عطالة هذا السائل، كما يتحرك الماء في كأس عند تدويرها. ونتيجة لذلك، فإن النهايات العصبية في هذه القنوات تتنبه عندما يدور الشخص، وباتصالاتها العصبية ترسل المعلومات الخاصة بهذا الدوران إلى مركز القيادة. وكل تنبّه فيها يعني بالنسبة إلى المركز دورانا في الرأس باتجاه وسرعة محددتين.

 

أما الجزء الآخر من الدهليز فيتألف من جوفين مملوءين أيضاً بسائل، وفيها نهايات عصبية تتوضع عليها بلورات حجرية تضع وزناً عليها. ويتغير هذا الوزن الضاغط بتغير وضعية الرأس، أو عند التحرك بشكل خطي كما في الصعود في مصعد. وتغير هذا الوزن الضاغط ينبه النهايات العصبية، وهي بدورها ترسل إشارات إلى المركز تدل على صفات الحركة الخطية التي قام بها الجسم.

مركز القيادة إذن يعرف أية حركة نقوم بها سواء كانت مستقيمة أو دورانية من الإشارات التي تأتيه من دهليز الأذن الباطنية.

والخلاصة أن مركز القيادة يتلقى معلومات من العينين، ومن الأذنين، ومن النهايات العصبية للحس العميق. ويحلل ويقاطع هذه المعلومات ليخرج بتصور للوضعية الجديدة، فهو بذلك يرسم وضعية للجسم متغيرة باستمرار، ويرسل بناء على هذه الصورة الأوامر اللازمة، عن طريق أعصاب خاصة، إلى العضلات في الأطراف والجذع، لتأخذ وضعية معينة تضمن عدم السقوط. كما يرسل أوامر لكرة العين، لتتحرك بشكل ناعم حركة تثبّت بها أخيلة المرئيات على الشبكية بالرغم من حركة الرأس، محافظة بذلك على وضوح الصورة. هذه بتبسيط شديد آلية حفظ التوازن.

ينتج عن ذلك أنه إذا ضعفت الإشارات الواردة، كما في ضعف الرؤية، أو ضعف أعصاب الحس العميق، كما في الإصابة بالسكري، نقصت الإشارات الواردة، والتي تحمل للمركز المعلومات اللازمة عن أي تحرك، ونقصت القدرة على حفظ التوازن. كما أنه إذا وردت إشارات خاطئة نتيجة لإصابة في دهليز الأذن الداخلية، كالتهاب، أو ازدياد في ضغط السائل، أو سقوط البلورات المذكورة سابقاً من مكانها، فإن المركز وبفعل عمله الانعكاسي وبرمجته السابقة، لا يميز للوهلة الأولى بين الإشارات الصادقة والإشارات الخاطئة الناتجة عن المرض، فيرسل أوامر لا لزوم لها إلى العينين، تحركهما بلا لزوم، وتبدو الدنيا وكأنها تدور. كما يرسل أوامر إلى العضلات في الجذع والأطراف، فتأخذ وضعية لا لزوم لها تـُخرج مركز الثقل عن دائرة الارتكاز، ويسقط الشخص.

آلية التوازن

1- آلية التوازن هي آلية فضفاضة، لديها قدرة على حفظ التوازن أكثر مما تتطّلبه الحركات الضرورية للحياة العادية، وهذا أمر طبيعي في الجسم في الأمور الحيوية المهمة. إذا َدرّب الإنسان آلية التوازن بقدراتها الواسعة، أمكنه القيام بأعمال تحتاج إلى قدر كبير من التوازن غير ضروري في الحياة العادية، كما في السير على الحبل وفي الحركات البهلوانية.

2- هذه الآلية، والتي تمت برمجتها في الطفولة، قابلة لإعادة البرمجة. ثبت ذلك في تدريب رواد الفضاء الذين أمكنهم اكتساب القدرة على حفظ التوازن في أحوال انعدمت فيها الجاذبية الأرضية.

3- وربما كان من أهم مميزات آلية التوازن قدرتها على التأقلم والتعويض. مركز القيادة يصحح معلوماته بالتدريب، ويتأقلم مع نقص المعلومات الواردة، فيحفظ التوازن بما بقي من عناصرها، الأمر الذي سيتم التركيز عليه في العلاج والوقاية.

لننتقل الآن إلى الحالة المرضية، وهي حدوث خلل في هذه الآلية. وهذا الخلل في التوازن يحدث من أحد الأسباب التالية:

1- ضعف أو مرض في أحد الأجهزة المحيطية المسؤولة عن إخبار المركز بتغير الوضعية.

2- وصول تقارير متضاربة من هذه المراكز، بالرغم من سلامتها، كما في دوار البحر ضمن غرفة، حيث تراها العين ثابتة، وتخبر الأذن بوجود حركة.

3- إصابة في المركز نفسه نتيجة نقص في الإرواء الدموي، أو ورم، أو تنكّس (التصلب اللويحي وباركنسون) أو غيره.

ولا يهمنا هنا الدخول في تفصيل الأمراض المختلفة.

مظاهر الضعف العام

تزداد إصابات جهاز التوازن بتقدم العمر لأكثر من سبب، فالأعضاء المسؤولة عنه تضعف قدرتها كمظهر من مظاهر الضعف العام في الشيخوخة، فالبصر يضعف، والمفاصل تفقد طراوتها، والمركز في الدماغ تتناقص قدرته مع تناقص قدرات الدماغ الأخرى، والعضلات المسؤولة عن تنفيذ الأوامر تضعف هي أيضاً. وقد يضاف إلى ذلك ويساهم في خلل التوازن أمراض أخرى كالسكري وتصلب الشرايين.

ومما يزيد الطين بلّة في الكبار، قلة النشاط، ونقص الحركة وهنا بيت القصيد من كل ما ذكر.

وجهاز التوازن، مثلُ كثير من الأجهزة، يضعف إذا ضعف استعماله. لذلك كان لابد للمحافظة على وظيفته أو لاستعادة ما فقد منها، من استعماله وتدريبه، وذلك للاستفادة من قدرته على التعويض وعلى إعادة البرمجة. إن خير ما يقوم به المصاب بالدوار أو باضطراب في التوازن، هو الحركة، الباكرة حالما تسمح حالته (إن كانت حادة) بذلك وإن الراحة التي توصف لكثير من الأمراض هي مضرة في حالات الدوار واضطراب التوازن .

 

وإنه من الضروري، وفي الكبار خاصة، وهم يميلون عادة للراحة والسكون، أن يكون لهم برنامج يومي لحركات تهدف المحافظة على آلية التوازن وتقويتها، وهي تشمل نوعين من الحركات:

1 - حركات للرأس: وذلك بتحريكه في كل الاتجاهات مرات متكررة، وبالسرعة المريحة، بقصد تقوية عمل الأذن التوازني.

2 - حركات للجذع والأطراف تتطلب جهداً توازنياً متزايداً كما في الأمثلة التالية: وهي مأخوذة من نشرة صحية لجامعة هارفارد.

عطف القدم:

1. قف بشكل مستقيم، ممسكاً بطاولة أو بكرسي لتحفظ توازنك.

2.قف ببطء على رؤوس الأصابع بقدر ما تستطيع، وابق لثوان.

3.  اخفض العقب ببطء إلى الأرض. كرر الحركة 8 - 15 مرة.

4. استرح دقيقة واحدة، كرر الحركة 8 - 15 مرة. وأضف بعض التعديلات حسب تطورك (أمسك الكرسي بيد واحدة، ثم برأس إصبع واحدة، ثم من دون استناد، ثم إذا وجدت لديك القدرة أعد التمرين مع إغلاق العينين).

عطف الركبة:

1. قف مستقيماً، ممسكاً بطاولة أو بكرسي لتحفظ توازنك.اعطف الركبة بقدر المستطاع بحيث تصبح القدم خلفك، وابق لثوان.

2. اخفض القدم ببطء إلى الأرض. كرر 8 - 15 مرة لكل رجل.

3. استرح دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك.

رفع الرجل جانباً:

1. قف مستقيماً والقدمين متباعدتين قليلاً، ممسكاً بطاولة أو بكرسي لتحفظ توازنك.

2. ارفع احدى الرجلين إلى الجانب ببطء (15 - 30 سم) (حافظ على استقامة الظهر والركبتين طيلة التمرين). ابق لثوان. اخفض الرجل ببطء. كرر الحركة 8 - 15 مرة لكل رجل.

3. استرح دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك. 

عطف مفصل الفخذ:

1. قف مستقيماً، ممسكاً بطاولة أو كرسي لتحفظ توازنك.

2. اعطف ببطء إحدى الركبتين نحو الصدر، من دون ثني الخصر أو الظهر. ابق لثوان.

3. اخفض الرجل ببطء إلى الأرض. أعد المحاولة 8 - 15 مرة لكل رجل.

4. استرح دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك. 

بسط مفصل الفخذ:

1. قف على بعد 30 - 45 سم من الطاولة أو الكرسي.

2. انحن عند مفصل الفخذ وتمسك بالكرسي وارفع ببطء إحدى الرجلين خلفك وهي مستقيمة. ابق لثوان، ثم اخفض الرجل ببطء إلى الأرض.

3. كرر الحركة 8 -15 مرة لكل رجل.

4. استرح مدة دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك. 

في أي وقت وفي أي مكان:

التمارين التالية تحسّن قدرتك على التوازن. باستطاعتك أن تقوم بها تقريباً في أي وقت وفي أي مكان، وبالتكرار الذي تريد، ما دام هنالك بقربك شيء ثابت يمكن الاستناد إليه إذا فقدت توازنك.

1. امش بحيث تكون عقب القدم بتماس أصابع القدم الثانية كلما خطوت خطوة.

2. قف على قدم واحدة (عندما تقف في الصف مثلاً انتظاراً لدورك في محل تجاري، أو لتركب باصاً). بدّل القدمين، قف واجلس دون أن تستعمل يديك.