يدخل الماء الأسود إلى العين ضمن الأمراض المزمنة التي تصيب الأشخاص، ويرتبط بعامل كبر السن بشكل وثيق، حيث تزيد فرص الإصابة به مع الشيخوخة، ونسبة إصابة الأطفال، أو حديثي الولادة، به ضئيلة للغاية.
وتزيد خطورة المرض في حالة إصرار المصابين به على قيادة السيارات، لأنه من المؤكد أنهم سوف يتعرضون للحوادث، بسبب أن هؤلاء المصابين لا يدركون أن عملية الرؤية باتت مضطربة، وضعيفة، ولا تعطي الأبعاد الحقيقية للأشياء، ومن ثم الوقوع في خطأ التقديرات، ولذلك ينصح الباحثون بالتخلي عن عملية القيادة لمن هم يعانون هذا المرض.
ويقول الباحثون إن مرض المياه السوداء على العين يصيب الأشخاص بسبب التدهور الذي يحدث في جزء من خلايا الأعصاب البصرية. ومعروف أن الضوء ينتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ، ثم يقوم المخ بالتعامل معه وتفسيره، وإرساله مرة أخرى إلى العين لتراه بالشكل الصحيح للأشياء.
وتعرض الألياف أو الأنسجة أو الخلايا العصبية البصرية لبعض التلفيات يُخل بعملية الرؤية ككل، وغالباً ما يحدث ذلك بسبب ارتفاع ضغط العين المستمر. ومعروف أن العصب البصري يتكون من كميات كبيرة من الألياف العصبية الدقيقة، حيث تتراص هذه الألياف التي تشبه الخيوط الرفية بجانب بعضها بعضاً، مكونة في النهاية العصب البصري بشكله الطبيعي.
ويحدث مرض الماء الأسود، أو الزرق، عندما يتلف جزء فقط من هذه الألياف، وتترجم هذه التلفيات إلى ظهور البقع العمياء داخل العين، وبالتالي يتقلص مجال المشاهدة بسبب فقدان العين لجزء من مساحة الإبصار.
ويقول الباحثون إن عدم الاهتمام بمعالجة هذه المشكلة بالصورة الصحيحة في بداياته يؤدي إلى زيادة المساحة التالفة من الألياف العصبية، وتتسع مساحة الرؤية العمياء، أو عدم الرؤية، وهو ما ينعكس على ضعف النظر. ويصل الأمر في بعض الحالات إلى تدمير كامل للعصب البصري، بمرور الوقت، ما يتسبب بإصابة الشخص بالعمى التام، وفقدان القدرة على الإبصار. وتعوّل الدراسة على دور التشخيص السليم لهذا المرض للنجاة من فقدان البصر، من أجل سرعة الشروع في العلاج الصحيح، وبالتالي يمثل ذلك أساس الوقاية من تعمق مرض الزرق في العصب البصري، وإيقافه عند حد معين، وحماية الشخص من العمى المؤكد.
وتبين دراسة أخرى أن المسبب الرئيسي لمرض المياه السوداء في العين هو عامل السن، والشيخوخة، كما أنه أحد العوامل الأساسية لفقدان الرؤية لدى هؤلاء الكبار. وثبت من خلال التجربة أن هذا المرض ينتشر لدى من وصلوا إلى عمر 63 عاماً فما فوق.
وتضيف الدراسة أنه يصيب الأقل من هذا العمر، ولكن بنسبة أقل، إذا توافرت عوامل المرض. وفي الأغلب فإن العامل المشترك في جميع الإصابات يكون ارتفاع ضغط العين المستمر، وهذه المشكلة يعانيها الكبار بشكل طبيعي نتيجة السن.
كما يضيف الباحثون أن التركيز الشديد في الرؤية، والقراءة، والعمل، يؤدي لإجهاد العين المستمر، وهي أحد المسببات أيضاً، وكذلك العامل الوراثي له دخل في هذه الحالة، وبعض الأعراق مثل العرق الأسود، والمصابون بقصر النظر الشديد.
وتكمن خطورة مرض الماء الأسود في عدم إحساس المصاب به في بداياته، وبالتالي لا يشكو من أعراض، أو علامات معينة، إلى أن تتسع البقع العمياء بتلف مزيد من الألياف العصبية، وهنا يبدأ بالشكوى من وجود مشكلة في الرؤية، حيث تتراجع قدرات البصر بشكل كبير، وواضح.
ويصنف الباحثون هذا المرض على أنه أكثر خطورة من مرض "الكاتاراكت"، حيث الأخير يسهل التعامل معه بأكثر من طريقة علاجية، وجراحية، كما يمكن استبدال العدسة التالفة بأخـــرى سليمة، وتنتهي المشكلة.
ويرى بعض المصابين بالماء الأسود بقعاً صغيرة تميل إلى اللون الأزرق الداكن، ولذلك أطلق عليه اسم الزرق، حيث يشعر المصاب بوجود ماء أزرق في عينيه، هو الذي يسبب هذه الحالة، أو الشعور، ولكن الحقيقة هي بقع عمياء سوداء، وليس هناك هذا الإيحاء الذي يشعر البعض به باللون الأزرق.
يوجد اتجاه بين العلماء على أن مرض الماء الأسود في العين هو عدد من المشاكل الصحية التي تصيب العين، وليس مرضاً واحداً فقط، كما يظن البعض.
وهذه الاضطرابات المتزامنة مع بعضها بعضاً تهاجم الألياف العصبية البصرية، وتؤدي إلى حدوث تلفيات وتدمير لجزء من أنسجة العصب البصري، خصوصاً الجزء المتواجد منه في شبكية العين.
وتحت ضغوط هذه الأمراض والمشاكل الصحية للعين يتطور الأمر بشكل متدرج، ويقود ذلك إلى حدوث ضغط على سوائل العين باستمرار، وتضرر الألياف الدقيقة البصرية. وفي النهاية يتعرض جزء منها للتلف، والتدمير، وبالتالي يصيب العصب البصري بالعطب وعدم القدرة على أداء وظيفته في عملية الإبصار الكاملة.
ويفقد المريض بهذه المشكلة زاوية المشاهدة الجانبية في بداية المرض، حيث يظهر إطار الروية أو الصورة التي يراها مظلماً وأسود.
ويضيف أصحاب هذا الاتجاه أنه مع الوقت وعدم العلاج السليم تتصاعد المشكلة ويفقد المريض المشاهدة الأمامية، إضافة للجانبية، وذلك يدل على أن المرض أحدث فجوة في العصب البصري، ناتجة من تلف المزيد من الألياف البصرية.
وتزيد مساحة هذه الفجوة مع تدمير أعداد إضافية من الألياف البصرية، وتنتج حالة العمى الكلي والتام في حالة انفصال هذه الألياف، أو قطعها، حيث ينفصل العصب البصري تماماً عن الدماغ، وبالتالي تنقطع الإشارات المتبادلة بين المخ والعين، ولا يوجد تواصل بينهما، وتفقد العين القدرة على الرؤية بشكل كامل.
يقول أحد الباحثين إن نحو 55 في المئة من المصابين بمرض الماء الأسود على العين لا يشعرون بالأعراض، والتي يمكن من خلالها معرفة حالتهم، ولكن عند تعمق المرض تبدأ العلامات بالظهور، ومنها الإحساس بألم قوي في العين، ويصاحب ذلك حمرة ملحوظة في العين.
ويحدث تشوش في الرؤية مع عدم وضوح، وبعض الحالات يصيبها شعور بالغثيان، ورغبة في التقيؤ، ويظهر إطار مظلم للصور التي يراها الشخص، وتزيد هذه الظلمة مع اتساع مساحة الألياف البصرية التالفة.
ويشعر المصاب بمرض الماء الأسود عندما يفقد مساحة كبيرة من مجال المشاهدة، وهنا يجب التدخل لوقف مزيد من التدهور والتراجع في الرؤية.
يمكن علاج مرض الماء الأسود على العين، أو الزرقة، بواسطة العمل على تعديل ضغط سوائل العين، في بداية المرض وقبل أن تحدث تلفيات كبيرة للألياف البصرية، وعلاج ضغط العين جدير بإيقاف تطور المرض.
وتنصح الدراسة بعمل كشف دوري منتظم على الأفراد بداية من عمر 36 عاماً، وكذلك الأشخاص المعرضين لهذا المرض ممن وصلوا إلى عمر 55 فما فوق، وأصحاب قصر النظر، ومن ليديهم مصاب في العائلة. ويمكن استعمال قطرات العين الـتي يصفها الأطباء باستمرار، والتي تقلل ضغط العين. ويوجد علاج باستخدام الليزر، ورغم ذلك لا يمكن عودة البصر إلى طبيعته السابقة، والعلاج في هذا المرض للحفاظ على بقية العصب البصري.